تغطية لمؤتمر قمة الذكاء الاصطناعي - دبي 2019
محمد عاطف مصطفى – الكويت
7 مايو 2019
بدعوة كريمة من المهندسة/ رانيا المغربي - رئيس المنشأة العربية لإدارة خدمات تكنولوجيا المعلومات – قمت بزيارة مؤتمر القمة لعالم الذكاء الاصطناعي في مركز دبي التجاري العالمي خلال الفترة من 30 أبريل – 1 مايو 2019 تحت رعاية نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزارء حاكم دبي الشيخ/ محمد بن راشد آل مكتوم، والمستضافة من البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والمتخصصة في تعزيز الذكاء الاصطناعي لدى الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصاد الإبداعي.
يقام المؤتمر في دولة تعني باستشراف المستقبل في جميع المجالات للدرجة التي دفعتها لتستحدث منصبًا هو الأول من نوعه في العالم وهو "وزير الذكاء الاصطناعي" في توجه واضح من الدولة في استكمال خططها الاستراتيجية بالاستفادة من هذا المجال بتعزيز المبادرات وأنشطة التعاون والشراكات لتنتفع بها كل من الحكومات والشركات والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية عمومًا، وذلك بحضور وزير الدولة للذكاء الاصطناعي شخصيًا لفعاليات المؤتمر وإلقائه لكلمة ومشاركته في النقاشات الحوارية خلاله.
شارك في المؤتمر أكثر من 100 شركة من 80 دولة في 9 قطاعات أساسية (الحكومة والمدن الذكية، الطاقة، التعليم، الصحة، المواصلات، تجارة التجزئة، التسويق، القطاع المالي، قطاع جامع لبقية القطاعات الفرعية) وقطاعات أعمال فرعية بلغت 39 قطاعًا، وشمل المؤتمر أكثر من 100 ساعة محادثات حوارية أدارها 130 متحدثًا من قادة كل قطاع، غير العديد من ورش العمل التي شارك فيها كل من الزوار وممثلي الهيئات والشركات.
بالطبع يعد الإلمام بكل هذه المناشط والمحادثات الحوارية من قبل فرد واحد هو ضرب من الخيال حيث تحتاج التغطية الوافية لحضور جيشًا صغيرًا من المتخصصين في كل قطاع لتسجيل ما يتم تناوله وعرضه، ومع ذلك أنقل انطباعي العام عن المؤتمر من خلال السطور التالية.
فبالرغم من البذخ الشديد من قبل القائمين على المؤتمر وحرصهم على نقل شعور للحاضرين بأن لديهم جديدًا يريدون تقديمه للعالم متمثلاً في المجال الحديث، إلا أن غالب النقاشات قد افتقدت لتعريف موحد شامل للذكاء الاصطناعي، وربما ذلك ما ألبس على الحضور الغرض من المؤتمر.
فما يفهم من مصطلح الذكاء الاصطناعي من أول وهلة (هو خلق كيان قادر على التفكير المنطقي واتخاذ القرارات السليمة وتنفيذها بنجاح بشكل مستقل لا دخل للبشر فيه)، في حين أن غالب المتحدثين تمحور تعريفهم وتطبيقاتهم العملية حول (تسجيل معدل تكرار الأنماط السلوكية في اتخاذ القرارات عند البشر في كل حدث وكيفية تنفيذها ومن ثم تقوم الآلة باختيار ذات القرار وتقوم بتنفيذه)، وفي ذلك مشكلة حيث إن معيار حسن وسوء الأنماط السلوكية التي يقوم بها الإنسان قد تختلف من شخص لآخر ومن موقف لغيره.
فالإنسان يستخدم ذكاءه الطبيعي في التفكير المنطقي والمعرفة والتحليل والتخطيط والتعلم والتواصل والإدراك لكل حدث بشكل منفصل وذلك قبل اتخاذ القرار، والذي قد يؤثر عليه مزيد من المعطيات المكتسبة خلال البحث عن الخبرات الحياتية من أشخاص أخرى لاختيار القرار الأفضل الذي يراه في اللحظة الحالية نافعًا له ولمن حوله بما يحافظ على مقاصده المختلفة من الحياة بشكل عام.
أما الذكاء الإصطناعي – والذي وإن لم تتم برمجته مسبقًا على تنفيذ نمط معين – إلا أن تطبيقاته إلى الآن قد تتمثل في أكواد قد تنفذ إجراءً ترى تأثيره على الشاشة (حركة على رقعة شطرنج مرسومة على الشاشة) أو على القيام بتنفيذ حركة ميكانيكية سواءً أكانت في مصنع سيارات أو مطبخ مطعم أو حتى خادم منزلي، وجميعها تعتمد في تطبيقاتها بشكل أساسي على مجسات الاستشعار، الكاميرات، المايكروفونات، السماعات، وبعض التكنولوجيا لخصائص التعرف على الصوت والوجه وذلك لاستقبال الأوامر المطلوبة منه، بالإضافة بالطبع لما قد يحتاج له من الأطراف الآلية الميكانيكية الأخرى حسب الدور المطلوب منه، فالروبوت الذي تحادثه ويرد عليك أو ينفذ الأوامر التي تلقيها عليه لا يعتبر في حد ذاته ذكاءً اصطناعيًا، هو كالدمية المبرمجة على تنفيذ هذه الأوامر بناءً على إمكانات التلقي الموجودة فيه ومعالجة تنفيذها عبر الأجهزة الداخلية والأطراف الخارجية المتصلة به.
تمثل ذلك في عروض الشركات لأجهزتها المختلفة، فإحداها كانت تعرض ذراعًا آلية تعزف البيانو وفقًا لنوتة موسيقية مدخلة مسبقًا، وذراعًا أخرى بآخرها قلم جاف تقوم برسم صورة للشيخ زايد على ورقة، الروبوت اللاعب ذو الذراع الذي يقوم بإلقاء الكرة في السلة (وإن كان فشل في ذلك مرات عديدة) والآخر الذي يركل كرة القدم، الروبوت الراقص والمؤدي للحركات البهلوانية، التقاط صورة الوجه وتحويلها إلى Emoji، كل ذلك أراه مكررًا ولا يقدم أي جديد، بل إن آلات هندسة الإنتاج في المصانع تقدم ما يفوق هذه المهام وبشكل أكثر دقة وأكثر نفعًا للإنسان.
أما ما قد يعد جديدًا إلى حد ما، فربما كان روبوت موظف الاستقبال في المعرض، والذي يرحب بك ويمكنك من سؤاله عن مناشط المعرض وقد يرافقك إلى الوجهة التي تريد ويعلمك بوصولك لها، وكذلك سيارات تسلا ذاتية القيادة، وتنفيذ اختبارات القيادة الآلية للمتقدمين عبر تقنية الرؤية التخيلية Virtual Reality.
وعلى صعيد الكلمات والمحادثات الحوارية ، كانت كلمة المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO والتي ألقاها مديرها الأسترالي/ فرانسيس جري، بما حوت من واقع الذكاء الإصطناعي ومعدلات النمو في طلبات براءة الاختراع الخاصة بها والتي تزداد بشكل أكبر في مجالات تعليم الآلات والتعلم العميق وتقنيات التعرف على الوجه والصور ومجال الروبوتات ومنهجيات التحكم، وذلك بنسب أوضح نموها خلال السنوات الأخيرة بشكل مضطرد.
أما كيفين دالاس – نائب رئيس شركة مايكروسوفت لقطاع الذكاء الاصطناعي، فتحدث عن تحويل الأعمال عبر الذكاء الاصطناعي، وبرز خلال كلمته اهتمامه بإنترنت الأشياء IoT حيث يمكن للأجهزة الصناعية والاستهلاكية التحدث والتعلم بل والعمل نيابةً عن الشخص، واصفًا أن تواصل الأجهزة والأشياء المادية مع بعضها عبر الإنترنت تقدم خدمات غير محدودة إلا بقدر مقدرة الفرد على التخيل. فتعرض دالاس للخدمات السحابية التي توفرها مايكروسوفت وتأثيرها على عملية تطوير برامج الأجهزة الاستهلاكية (السيارة مثلاً) بالتحكم في القيادة ذاتيًا باستخدام الأوامر الصوتية وشاشات اللمس وغيرها من التقنيات.
كما تحدث يوسف النصار –المدير العام المساعد في مؤسسة دبي الذكية – عن تقرير دولي بصدد الصدور من المؤسسة والذي سيحدث تغييرًا في نظرة العالم للبيانات ودور البيانات في التحول الذكي للمدن.
وأيضا المحادثة الحوارية بعنوان "الإنسان، الماكينة، البلدية" التي ضمت كلاً من جير بارون – الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا بمدينة أمستردام بهولندا، جورج هونج – رئيس المجموعة الدولية للأعمال بالصين، ولودوفيج بودين – رئيس مركز فرنسا لاستثمار الذكاء الاصطناعي، ورانجيت راجان – المدير العام المساعد ورئيس الأبحاث في شركة آي دي سي الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا. وقد تمحور نقاشهم حول مدى تأثيرنا المستقبلي على الذكاء الاصطناعي كفاعلين في تطويره وإنمائه على مدار السنوات السابقة، وذلك بدلاً من السؤال التقليدي حول تأثير الذكاء الاصطناعي على البشرية، وتخلل ذلك نقاشات أخرى حول مدى إمكانية السيطرة وتحجيم الذكاء الاصطناعي في المستقبل بما يضمن استمرار تفوق العنصر البشري.
هذه شواهد بسيطة عن المؤتمر لا تمثل عشر ما تم عرضه فيه، لكن وددت مشاركتم في حدث ضخم ضم العديد من الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات المجتمعية، ويظل تساؤل حول إمكانية مساهمة الدول العربية – على المدى القريب أو البعيد - في هذا المجال الهام والحساس بالشكل الذي يتجاوز النطاق الاستهلاكي للتقنيات المصدرة إلينا من دول العالم كله.
وأخيرًا ... أشكر المهندسة/ رانيا المغربي في إتاحة الفرصة في الحضور والاستفادة من التجربة ككل.
muadsalem00